تغير المناخ ـ إعادة النظر في الطريقة التي نعمل بها في بيئاتنا المهنية المختلفة

بقلم راشيل بودن مع جولييت مايرز وأنيسيد ويجي

قضيت معظم وقتي خلال الأسبوع الماضي في مكان عمل مشترك في برلين، عملت حينها على تصميم دورة تدريبية مع فريق من محترفي التنمية السوريين. وفي الأسبوع القادم، سيقود الفريق التدريب من برلين عبر الإنترنت باللغة العربية. و سيتولى المنسقون في الداخل السوري توجيه المشاركين من خلال الأنشطة عبر وسائل الإنترنت والمنصات الرقمية الأخرى.

قمت بصياغة الدورة التدريبية باستخدام الاختصاصات والبحوث الأساسية مع الموظفين وجمّعت الموارد المتاحة من خلال الموقع الالكتروني لشبكة تمكين التعليم. عملنا سوياً وعلى مدار الساعة في برلين حيث لعبنا أدواراً في القيادة، وتحدثنا كثيراً، وأدلينا بملاحظات وتعديلات كثيرة جداً. وفي نهاية الأسبوع تحول المسار ــ الأنشطة، والجلسات، والأيام التي أعيدت هيكلتها وفق رؤيتنا المنطقية لما يجب أن تجري عليه الأمور. وسيضطلع المشاركون في الدورة بدور مماثل: تجربة الأنشطة وتكييفها لاستخدامها مع الأطفال ومقدمي الرعاية وموظفي التعليم الرسمي في شمال شرق سوريا.

قد يستغرب القارئ لماذا أشارك هذه التجربة؟

حسنًا، قد تصبح طريقة العمل باستخدام المنصات الرقمية هي المسار الذي يتجه إليه العالم. يشتمل ذلك على تطوير المحتوى وتوفيره بشكل تعاوني باستخدام مزيج من التدريب المباشر ومنهجيات التيسير عبر الإنترنت. وبالإضافة إلى تقديم فوائد قيمة في مجال التعاون وبناء القدرات، فإن هذا النهج أيضا يقدم فوائد على صعيد التكلفة. و بالنظر إلى تكاليف الاستشارات التي يحتاجها المعنيون خلال أسبوع واحد، بما في ذلك الرحلات الجوية، وتكاليفالإقامة و الفنادق، والوقت المخصص لزيارة مكان ما، ناهيك عن العدد الكبير الذي تتطلبه هذه الاستشارات من أصحاب المصلحة والأنشطة القائمة على المشاركة، وما يعقب ذلك من كتابة التقارير، فإنّ ذلك لا يمكن أن يقارن بالإيجابيات التي يمكن الحصول عليها بتبني نموذج يسمح لأصحاب المصلحة أنفسهم بالعمل معاً لتطوير محتوى الدورة التعليمية على مدى ثلاثة إلى أربعة أيام في عملية يتم من خلالها تعزيز الشراكات وبناء قدرات الجميع و تدريبهم على تقديم المحتوى في المرحلة التالية.

شاركت الأسبوع الماضي في الاجتماع العام السنوي الذي عقدته شبكة تمكين التعليم حيث ناقش الفريق أنشطة حول سياستنا البيئية، والتي أعادت إلى الواجهة ضرورة إعادة النظر في أساليب عملنا في ضوء حالة الطوارئ المناخية العالمية. ولقد اتفقنا على أن الانتقال والسفر عبر مختلف أنحاء العالم لتقديم الخدمات الاستشارية قد لا يكون الوسيلة الافتراضية للعمل. وقد التزمنا باستكشاف نهج بديل ومبتكر لدعم أصحاب المصلحة والشركاء والعملاء في مجال التعليم أثناء تطوير أنظمة ونهج تعليمية أكثر شمولية.

من خلال المشروع الحالي، يأتي العمل عن بعد في غاية الأهمية وخصوصاً في السياق السوري حيث لا يترك الصراع خياراً آخر غير العمل عن بعد. فهي “تجبرنا” على العمل على نحو أكثر جاذبية من “العمل كالمعتاد” من نواح عديدة. فالأعمال الإنسانية والتنموية يتم التخطيط لها في كثير من الأحيان مثل خط تجميع المصنع الذي يتبع دورة البرنامج، حيث يتم جلب الخبرات الفنية كمدخلات في مراحل معزولة. فالمدراء ينشغلون بممارسة دورهم الإداري مما يبعدهم عن خبرة الممارسين أو الباحثين في مجال عملهم. ونحن كخبراء استشاريين فنيين قد نقدم لهم مقاربات مفيدة لتجاوز تلك الممارسات الراسخة، إلا أننا نعتقد بصعوبة تغييرها.

ولكن الآن، وفي مختلف أنحاء العالم، يعيد الناس النظر في أساليب عملهم: سواء كان ذلك راجعاً إلى الكارثة المتفاقمة التي أحدثها تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية أم إلى تفشي فيروس كورونا الجديد (COVID-19). و هي تعتبر فرصة سانحة لتطوير وتنفيذ طرق أفضل للعمل ولإحداث أثر أكبر حجماً و أكثر استدامة قد يؤدي إلى إنهاء علاقات القوى القائمة. فعلى سبيل المثال، يمكن للخبراء الاستشاريين الذين يفتقرون إلى الخبرة التقنية على الصعيد المحلي أن يعملوا عن كثب في إطار علاقة تدريب مع الشركاء لتخطيط المشاريع وتنفيذها ورصدها وتقييمها بحيث يكون الجميع أكثر مشاركة، كما يمكن تطوير الخبرات وتبادلها وبناء القدرات بصورة مطردة.

و بصفتها شبكة عالمية مفتوحة ، فإن شبكة تمكين التعليم تتمتع بخبرة كبيرة في مجال الشبكات الاجتماعية، والدورات التدريبية عبر الفيديو، ومواقع الويب، ومجموعات واتساب (WhatsApp)، والندوات عبر الإنترنت والرسائل الإخبارية، كما أنها ملتزمة منذ فترة طويلة ببناء قدرات أصحاب المصلحة في مجال التعليم. وهناك أمثلة ناشئة على الممارسة العالمية الجيدة للعمل عن بعد، ولا سيما في السياقات الإنسانية. فالمدرسون العاملون في مخيم كاكوما للاجئين، على سبيل المثال، قادرون على الحصول على التوجيه والدعم في الوقت الحقيقي من الخبراء العالميين بشأن التحديات التي يواجهونها في التعليم يوماً بعد يوم. ونحن حريصون على توثيق المزيد من التجارب المماثلة واستكشاف أساليب مبتكرة للعمل عن بعد.

إذا كانت لديك طرق للمشاركة، فيرجى الاتصال بفريق الشبكة. سنكون سعداء في تقديم المساعدة لمنظمات أخرى في الوصول إلى المزيد من المعلومات المرتكزة على الأدلة بشأن البدائل الممكنة للعمل كالمعتاد، و المساعدة في تحسين تأثير المشاريع ومعالجة الخلل في التوازن بين بلدان الشمال والجنوب.

و على غرار تجربتنا مع قضية تغيّر المناخ، يذكرنا فيروس كورونا بالحاجة إلى العمل التشاركي على الصعيد المحلي والعالمي. ويجب على الأفراد أن يتحملوا المسؤولية الشخصية عن أفعالهم، كما ينبغي على المجتمعات والحكومات أن تسترشد وتلعب دورها في القيادة. ويبقى للتبادل الدولي ــ علمياً و ممارسةً ــ بالغ الأهمية. ويتعيّن علينا الآن، أكثر من أي وقت مضى ، أن نحقق فكرة المجتمعات العابرة للحدود الوطنية ونحدد سبل التواصل.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *