الإطار المرجعي للتربیة الدامجة لفائدة الأطفال فی وضعیة إعاقة

 

حنان غانم

القسم 1 : مرتكزات الإطار المرجعي وموجهاته 

تقديم

المرجع : الإطار المرجعي للتربیة الدامجة  لفائدة الأطفال فی وضعیة إعاقة –  مديرية المناهج 2019 –

تقديم

تندرج هذه الوثيقة في إطار برنامج التعاون القائم بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العملي ( مديرية المناهج)ومنظمة اليونيسف لرعاية الطفولة، وهي تسعى إلى وضع إطار مرجعي للتربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة لتمكينهم من الاستفادة الكاملة من حقهم في التمدرس مع نظرائهم التلاميذ في الأقسام العادية. وهي تمثل محطة جديدة في مسلسل اهتمام وزارة التربية الوطنية بفئات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة، والأطفال في وضعية إعاقة بصفة خاصة.

فوعيا منها بأهمية إعمال مضامين التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب فيما يخص ضمان حقوق الفئات ذوي الاحتياجات الخاصة، بادرت وزارة التربية الوطنية، منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، إلى إحداث أقسام للإدماج المدرسي( CLIS) داخل فضاءات المؤسسات التعليمية، كخطوة متقدمة تستهدف تأهيل الأطفال في وضعية إعاقة للدمج المدرسي في الأقسام العادية، عبر إكسابهم التعلمات الأساس التي تمكنهم بعد ذلك من ولوج المسار الدراسي العادي.

وبالنظر إلى غياب أدوات بيداغوجية مهدفة تنظم العمل بأقسام الإدماج المدرسي، فقد كانت الحاجة ماسة إلى وضع مرجع يبرز الدور الأساسي لهذه الأقسام، ويؤطر الممارسات التربوية المنجزة في إطارها على مستوى الأهداف والمضامين والأنشطة، فكان أن عملت الوزارة الوصية على إعداد إطار مرجعي لهندسة منهاجية تستجيب لخصوصيات المرحلة ومتطلباتها .

ومع تنامي الوعي في محيط المدرسة بمحدودية تجربة أقسام الإدماج المدرسي، وبروز مفهوم جديد يروم تجاوز مرحلة التأهيل المعتمد على العزل، إلى الدمج المباشر في القسم الدراسي العادي، أصبح الانتقال من تجربة أقسام الإدماج المدرسي( CLIS) إلى تجربة أقسام التربية الدامجة( CEI) يطرح نفسه بإلحاح.

وقد كانت المناظرة الدولية التي نظمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في مطلع شهر يناير 2019 لحظة عززت مخرجاتُ أشغالِها مجهودات الوزارة، والدفع إلى التفكير في الانتقال بالتجربة المغربية في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، إلى تبني مقاربة التربية الدامجة التي تضمن لهؤلاء الأطفال حقهم في التمدرس مع نظرائهم العاديين في إطار من التفاعل الدينامي والمستمر يذكي قدرات الطفل ذي إعاقة، ويشحذ اهتماماته ومبادراته الشخصية. كما أوصى المجلس، في مشروع رأي حول موضوع «تعليم الأشخاص في وضعية إعاقة: نحو تربية دامجة منصفة وناجعة»، بتهيئة بيئة تربوية منفتحة على التنوع، وضمان عرض تربوي متنوع حسب الحاجيات، من خلال ميكانيزمات ناجعة وخدمات ووسائل ضرورية لمواكبة دعم التمدرس. في أفق تحقيق مدرسة الإنصاف والعدالة وتكافؤ الفرص أمام الجميع، دون أي نوع من أنواع التمييز .

وأمام هذا المطلب الانتقالي، بادرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلى إعادة النظر في وثيقة الهندسة المنهاجية لأقسام الإدماج المدرسي، عبر وضع إطار مرجعي للتربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة، يتجاوز منطق الأقسام المعزولة إلى منطق الدمج في الأقسام العادية، واعتبار المدرسة كلها مؤسسة دامجة تعمل على توفير شروط الدمج وضوابطه المادية والتنظيمية والبيداغوجية.

ونظرا لأن وثيقة من هذا النوع لا تكفي وحدها لإمداد المتدخلين المعنيين بالمفاهيم والتصورات والأدوات الكفيلة بالاستيعاب الكافي لفلسفة التربية الدامجة وإجراءاتها العملية، فقد كان لزاما إعداد عُدة إجرائية كفيلة بتوضيح هذا النمط من التربية وتنزيله ميدانيا من لدن كل الفاعلين المعنيين، من مدراء مؤسسات تعليمية، وهيئة تدريس، ومسيرين ومشرفين، وأسر وجمعيات مدنية متدخلة.

وعلى هذا الأساس، تم إعداد، إلى جانب الإطار المرجعي الحالي، دلائل للتوجيه ومجزوءات للتكوين لمختلف المتدخلين في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة. وهي جميعا وثائق تبقى رهينة الاختبار الميداني الذي سيكشف، من غير شك، عن الجوانب التي تحتاج إلى تعديل وتكييف وإعادة بناء وفق منطق التربية الدامجة بالمدرسة المغربية .

مدخل

تشكل التربية الدامجة مشروعا مجتمعيا ينخرط فيه مختلف الفاعلين والمتدخلين، بل وتتفاعل معه أوساط أخرى يكون لها دور في تغيير الاتجاهات والتمثلات الاجتماعية حول الإعاقة، وحول ضرورة احترام حق الشخص في وضعية إعاقة في تعلم ذي جودة يراعي إمكانياته ويعمل على تطويرها .

إن تجاوز المقاربة الطبية للإعاقة وتنامي الفهم السياقي لها كوضعية، ساعد على تقوية المقاربة الحقوقية. فلم تعد الإعاقة معطى ملتصقا بالفرد ونتيجة أحادية لعجزه، بل أصبح يُنظر إليها كنتاج سياق ووضعية وتمثلات اجتماعية، مما أدى إلى التأكيد على أن مساعدة الشخص في وضعية إعاقة، لا تكمن في التركيز على قصوره، بل في تلك الدينامية التي تنتج عن علاقة المجتمع بذلك القصور ( التمثلات، المواقف، الممارسات). وهكذا تم الانتقال من التناول الطبي للإعاقة إلى التركيز على توفير الحق للشخص في وضعية إعاقة ( توفير الولوجيات المادية والنفسية والاجتماعية لفسح المجال لتجسيد الفرد لإمكانياته وتحقيق تطوره. )

ولقد عملت المملكة المغربية، منذ توقيعها على المواثيق والاتفاقيات الدولية الصادرة في مجال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وخاصة الأطفال، على بلورة سياسات مندمجة من أجل ترجمة هذه الحقوق إلى برامج سياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية. وهنا وجب التذكير بجملة من القوانين والمراسيم والإجراءات التي اتخدتها القطاعات الحكومية الوصية وبعض المؤسسات في هذا الشأن، «وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية »، «وزارة الصحة »، «وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي»، «مؤسسة محمد الخامس للتضامن «، وكذلك انخراط جمعيات المجتمع المدني في مختلف أوراش النهوض بحقوق الأشخاص والأطفال في وضعية إعاقة.

وعلى المستوى التربوي والتعليمي، يمكن التأكيد على أن تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة اعتبر من التحديات الكبرى لاستراتيجيات الإصلاح التي أقرتها المنظومة التربوية المغربية، سواء على مستوى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أو على مستوى مخططات وبرامج ومنتديات الإصلاح؛ مما أفرز مجموعة من المخططات وبرامج العمل في مجال إرساء حق هؤلاء الأطفال في التمدرس، وبالتالي ضمان تمكينهم من المستويات الضرورية لعرض تربوي يتناسب مع خصوصياتهم وحاجياتهم وطموحاتهم في تمدرس دامج وناجح .

المصدر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *